رسالة من الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي إلى الملك محمد السادس

Publié le par guennipress

filemanager.php.jpegإلى الملك محمد بن الحسن أنار لله له طریق الحق.
السلام علیكم ورحمة لله تعالى وبركاته، وبعد:
أولا وقبل كل شيء أرجو ألا تغضبك رسالتي هذه، لئلا تكون من الذین عناهم لله تعالى بقوله:﴿ وَإِذَا قِیلَ لَه اتَّقِ للهََّ أَخَذَتْه الْعِزَّة بِالإِْثْم فَحَسْبُهُ
جَھَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِھَادُ﴾ البقرة ٢٠٦ ، وألا تعُدَّني بخطابي هذا من طلاب المال أو الجاه أوالسلطة أو المكانة فذلك أحقر ما یرجوه طلاب الآخرة، وأن تقرأ
ما أسطره لك بتجرد تام من الأحكام المسبقة التي تُلَقَّنُھا من قبل حاشیتك الفاسدة التي لا هم لھا إلا مصالحھا الشخصیة، حتى إذا كبا بك الدهر انصرفوا
وتركوك لما جلبوه علیك من شقاء الدنیا وآثام الآخرة؛ ولیس من العدل - ولو أن أباك قد أساء إلى الدعاة إلى لله وإلى كافة المسلمین في المغرب وأنا
منھم – أن أترك محاولة نصحك وإرشادك إلى سبیل النجاة من تبعات مظالم ألحقھا عھدك بأكثر من ثلاثین ملیونا من المسلمین، وتبعات مظالم والدك
الذي ینتظر منك الشفاعة له فیھا بحكم واجب كل مسلم صالح نحو آبائه. ومن قبل قیض لله لك من آلك ابن عمك هشام بن عبد لله یھدیك النصح ویدلك
على الرشد فما كان من حاشیتك المنافقة إلا أن حرضَتْ علیه سفھاء الصحافة ینبحونه وسفھاء السیاسة ینھشون لحمه ویعرقون عظمه، ولا أدري هل
سمحوا لك بالتمعن فیما نصحك به أو حتى بمجرد الاطلاع علیه.
إن من سوء حظك أنك أحطت نفسك بمن لا حكمة لھم ولا وفاء ولا خلق ولا دین، فھم یستدرجونك لما فیه خراب البلاد وتألیب قلوب العباد على
كرهك ومحاولة التخلص منك ومن نظامك، ولا شك أنك تذكر یوم تألبت قبائل الحیاینة وبني مطیر وبني سادن وكافة القبائل البربریة المحیطة
بعاصمة فاس على كره سلفك عبد الحفیظ سنة ۱۹۱٢ م فأسقطوا عرشه لولا تدخل الاستعمار الفرنسي الذي أعاد السلطنة إلى أجدادك، كما تذكر یوم
اجتمعت القلوب على محبة جدك محمد بن یوسف فاستعادته من منفاه، والعاقل من اتعظ بغیره والجاهل من اتعظ بنفسه، فلا تكن أعجز من ینتصح ولا
آخر من یسترشد.
وإن من سوء تقدیرك أن توهمت أنك صاحب القرار الأوحد المطاع في المغرب من وراء حكومة وهمیة ومجلسین للنواب والمستشارین
مزیفین تتزین بھما دیمقراطیة شوهاء لم یصدقھا قریب أو بعید. والحال أن القرار الذي ینفذ في الأمة لیس قرارك، ولكنه قرار غیرك الذي اتخذ من
أعوانك أدوات یسوقك بھا ویحقق سیاساته فینا بھا ویحاول إلغاء الصالحین في الأمة بھا.
لقد حاول والدك الذي أفضى إلى ما قدم إلغاء الذین بذلوا الغالي والنفیس من أجل الاستقلال، فصفي بعضھم واختفى بعضھم الآخر، فھل ألغیت
القضیة التي قاموا من أجلھا؟ لقد بقیت القضیة وبقي ضحایاها في ضمیر الأمة وتاریخھا.
وحاولت بطانتك ومن قبلھا بطانة والدك- ومسؤولیة ذلك في عنقكما إلى یوم الدین – إلغاء الدعوة الإسلامیة الصادقة فلفقت التھم الكاذبة، ونفي
أو اختطف أو اغتیل أو سجن الصادقون فیھا، وحاول رجالك التعتیم على ذلك بتفریخ بدائل ملتحیة فما كانت النتیجة إلا آلاف الدعاة الصادقین الأبریاء
في السجون، والمئات منھم تحت الأرض أو في المنافي، وعصابات منافقة مرتزقة من فلولھم تأكل فتات مائدتك علنا وتشتمك سرا، ولا تتردد في
خذلانك إن دارت بك الدوائر.
إنك تأخذ على الصادقین من الدعاة أنھم یكرهون عھدك – كما كرهوا عھد أبیك من قبلك – وأن كثیرا منھم یتمنون لك الزوال، لكنك لو فكرت
قلیلا لانتبھت إلى قانون أبدي وسنة كونیة، هي أن لكل كائن حي حقا في الدفاع عن نفسه، ومن أراد أن یلغي فئة مختلفة معه في مجتمعه فقد أعطى
ضمنیا لھذه الفئة حق الرد بمحاولة إلغائه. قانون للتدافع في المجتمعات الإنسانیة أبدي، من حاول إلغاءه ألغاه، ومن سبح ضده أفناه، ولیس له من دافع
إلا الاعتراف بالحقوق والامتناع عن احتكارها أو مصادرتھا أو الاستئثار بھا، فما خلق بنو الإنسان في الأرض إلا سواسیة، وما جاز لھم نحو بعضھم
إلا التعایش المسالم، وما حق لھم إلا الحریة، حریة الكسب وحریة التصرف وحریة الرأي وحریة الاعتقاد في إطار أمن من بعضھم لبعضھم، ولیس
لأحد منھم ولو جمع مالا وعدده، أو جند جیشا وحشده أن یصادر الحقوق الطبیعة المكفولة بالفطرة والدین واجماع العقلاء.
لن أطیل علیك في هذا الخطاب بذكر الفساد السیاسي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والأخلاقي الذي استشرى في عھدك وكانت خمیرته
ومقدماته من عھد أبیك، مما رعاه أتباعه ونمته بطانتك، ولا مناص لك من تحمل مسؤولیته أمام لله تعالى، فكل ذلك نتیجة منطقیة لمنھج الحكم لدیك،
وأعراض لمرض عضال في نظامك السیاسي.
إن أساس الفساد في دولتك هو داء الاستبداد، سولت لوالدك حاشیته أن بقاء عرشه لا یدوم إلا بالاستبداد، فاستبدت من وراء ظھره بالبلاد
والعباد، ثم ذهب عرشه بإفضائه إلى ما قدم محملا بما اعتدى وما ظلم، وسولت لك بطانتك نفس التوهم، وها هي أیضا تتداول خیرات البلاد فیما بینھا،
في دولة تستضعف مواطنیھا وتسجن وتقتل وتنفي دعاة الإصلاح والحق فیھا، وتستبد بالحقوق الطبیعیة لبني الإنسان، بل تستبد بالدین نفسه، تحریفا
له وتزییفا لحقائقه وإنكارا للمعلوم منه بالضرورة. والعصرُ غیرُ العصرِ، وما عاد لدولة في الأرض أن تحمي الاستبداد، وقد صار المستبدون في
عصرنا هذا عبئا على مصالح الدول قویھا وضعیفھا.
إن الزمان قد استدارت دورته، والاستبداد قد تھاوت دولته، وحق الإنسان في الحریة والكرامة والمساواة قد علت رایته، وما على من یرید
البقاء إلا أن یتغیر بما یقتضیه هذا الحق... علیه أن یتغیر أو أن یتدمر.
إنك بین نھجین لا ثالث لھما: ملكیة لا تحكم، وتترك للشعب حق تسییر أمره بما یضمن مصالحه وحریته وكرامته واقتسام ثروته، أو اعتراف
للشعب بحقه في تقریر مصیره واتخاذ قراره واختیار مسؤولیه. ولیس وراء ذلك إلا الاستبداد الذي یعصف بصاحبه مھما تطاول به الزمن وتبدلت من
حوله الأحوال.
أبعث إلیك بھذا الخطاب مفتوحا، لأن أبوابك في وجه الصادقین موصدة، وكلمة الحق التي تبذل لك محاصرة، ومن قبل حقَّقْتُ رسالة الإمام
مالك رضي لله عنه إلى هارون الرشید، وأهدیتھا إلیك كي تنتفع بھا، فما وجَدَتْ صدى في قلبك ووعیك، أو لم یسمح لك بالاطلاع علیھا، فبئس وضعٌ
أنت فیه، بین بطانة تكتمك الحق وتحجب عنك النصح، وجدران صماء تحول بینك وبین الاطلاع على حقیقة المظالم التي ترتكب باسمك.
ثق أن هذا الخطاب من رجل لا یستطیب الظلم ولا یسعى لحكم، وإنما هي كلمة حق أرجو أن أجدها بین یدي لله وأنا على مشارف لقائه عز
وجل، فإن كان لى حظ واحد استمعتَ وأعرضتَ، وإن كان لي حظان استمعتَ واهتدیتَ...وفي كل الأحوال أحذرك عبادة الكرسي فاجتنبھا، فما هي
إلا طاغوت مضل، وعرض زائل، وهمٌّ یرافقك في الآخرة، قال تعالى:﴿وَالَّذِینَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ یَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى للهَِّ لَھُم الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ
.۱٨ - الَّذِین یَسْتَمِعُونَ الْقَوْل فَیَتَّبِعُون أَحْسَنَه أُولَئِك الَّذِین هَدَاهُمُ للهَُّ وَأُولَئِك هُمْ أُولُو الأَْلْبَاب ﴾ الزمر ۱٧
غفر لله لي ولك ولجمیع المؤمنین، والسلام علیك ورحمة لله تعالى وبركاته
عبد الكریم مطیع بن محمد بن المھدي الحمداوي
في: 12 ربیع الأول ۱٤٣٢ من الھجریة النبویة الشریفة على صاحبھا أفضل الصلاة وأزكى التسلیم وعلى آله وصحبه الأخیار وأتباعه الأبرار

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article